رغم ما يشهده العالم من اضطرابات اقتصادية متتالية، بدءًا من جائحة «كوفيد-19» وصولًا إلى الحرب في أوكرانيا وتصاعد التوترات الجيوسياسية، لا تزال القارة الإفريقية تثبت قدرتها على الصمود وتحقيق نمو اقتصادي متسارع، جعلها ثاني أسرع المناطق نموًا في العالم بعد آسيا.
ويشير تقرير بنك التنمية الإفريقي حول التوقعات الاقتصادية لعام 2025 إلى أن اقتصاد القارة سيواصل الارتفاع من معدل نمو 3.3% في عام 2024 إلى 3.9% في 2025، وصولًا إلى 4% في 2026، رغم استمرار الغموض في المشهد العالمي.
صناعة التأمين الإفريقية.. نمو محتمل رغم التحديات
أكد التقرير أن قطاع التأمين في إفريقيا أظهر مرونة واضحة خلال عام 2023، إذ استقرت أقساط التأمين على الحياة بعد احتساب التضخم، بينما شهد قطاع الممتلكات انخفاضًا طفيفًا بنسبة 3.2%.
لكن المؤشرات المستقبلية تبدو مشجعة، مع توقعات بعودة النمو تدريجيًا مدفوعًا بتحسن الأوضاع الاقتصادية في أغلب الدول الإفريقية.
وسجل معدل اختراق التأمين في القارة نحو 2.4% خلال عام 2023، متجاوزًا متوسط الأسواق الناشئة البالغ 1.7%، وهو ما يؤكد أن السوق الإفريقية ما زالت تملك إمكانات ضخمة للنمو، خاصة مع تجاوز عدد سكانها 1.4 مليار نسمة يمثلون قاعدة عملاء هائلة غير مستغلة بالكامل.
التأمين.. رافعة للتنمية الاقتصادية
لم يعد التأمين مجرد أداة لتعويض الخسائر، بل أصبح عنصرًا أساسيًا في دعم التنمية، وتمويل المشروعات الكبرى، وتعزيز الاستقرار المالي للدول.
وتُظهر الدراسات أن زيادة أقساط التأمين بنسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي يمكن أن تسهم في رفع معدل النمو الاقتصادي بما يتراوح بين 0.4% و0.6%، وهو ما يعكس الدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه القطاع في تحفيز النمو.
تحديات تعيق الانطلاق
رغم التقدم، لا يزال قطاع التأمين الإفريقي يواجه مجموعة من التحديات، أبرزها انخفاض الوعي التأميني بين شرائح واسعة من المواطنين، وضعف توافر البيانات اللازمة لتقييم المخاطر، إلى جانب تفاوت الأطر التشريعية والتنظيمية من دولة لأخرى، ونقص الكفاءات المؤهلة.
لكن التطور التكنولوجي فتح آفاقًا جديدة، خاصة مع توسع الخدمات التأمينية عبر الهواتف المحمولة، مما أتاح للشركات الوصول إلى عملاء جدد في المناطق الريفية والبعيدة.
التحول نحو الاستدامة والحوكمة
أحد الاتجاهات البارزة التي تناولها التقرير هو التوسع في التأمين المستدام القائم على معايير البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG)، حيث بدأت شركات التأمين في دعم مشروعات الطاقة النظيفة وتمويل المبادرات البيئية، بما يسهم في بناء قطاع أكثر مرونة واستدامة في مواجهة تغيرات المناخ.
التأمين كقوة تمويلية للمستقبل
أشار التقرير إلى أن شركات التأمين تمتلك إمكانات هائلة لتمويل التنمية، إذ تصل أصولها عالميًا إلى نحو 40 تريليون دولار.
وفي مصر، يبرز القطاع كأداة رئيسية يمكن أن تدعم رؤية مصر 2030 من خلال الاستثمار في المشروعات الخضراء والبنية التحتية والمبادرات المستدامة.
مصر.. لاعب رئيسي في المشهد التأميني الإفريقي
تحتل مصر مكانة متقدمة بين أكبر خمس أسواق تأمينية في القارة، بفضل الإشراف الفعّال من الهيئة العامة للرقابة المالية وتنوع المنتجات التأمينية.
كما تشهد السوق المصرية طفرة رقمية كبيرة عبر إطلاق منتجات جديدة تستهدف العمالة غير المنتظمة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، مما يعزز دورها كمركز إقليمي لصناعة التأمين الإفريقية.
وتُعد مصر مؤهلة لتقود جهود التكامل القاري من خلال نقل خبراتها في مجالات التأمين الزراعي والمناخي، والتأمين متناهي الصغر، وتمويل مواجهة الكوارث.
فرص مصر المستقبلية داخل إفريقيا
تتضمن أبرز الفرص المتاحة أمام السوق المصرية داخل القارة:
-
توسيع نطاق التعاون الإقليمي في إطار اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية (AfCFTA).
-
تطوير أدوات التأمين الزراعي والبارامتري لمواجهة تغيرات المناخ.
-
تعزيز الشمول المالي عبر التأمين متناهي الصغر.
-
ضخ استثمارات في الطاقة المتجددة والبنية التحتية.
-
إنشاء مراكز تدريب إقليمية لتأهيل الكوادر.
-
تبني التحول الرقمي لتحسين إدارة المطالبات وتسعير المخاطر.
مصر تتولى رئاسة منظمة التأمين الإفريقية في 2026
تستعد مصر لتولي رئاسة منظمة التأمين الإفريقية عام 2026، في خطوة تعزز مكانتها كمركز قيادي في الصناعة.
وكانت القاهرة قد استضافت الملتقى الثامن والعشرين لإعادة التأمين في أكتوبر 2024 تحت شعار «التنسيق بين أسواق إعادة التأمين الإفريقية من أجل مستقبل مستدام».
ويشمل برنامج الاتحاد المصري للتأمين للفترة 2025–2029 خطة طموحة لتطوير المنظمة، من خلال إنشاء مختبر للابتكار التأميني وإطلاق برامج تدريبية موسعة للعاملين بالقطاع في مصر والدول الإفريقية.
رؤية الاتحاد المصري للتأمين
أكد الاتحاد التزامه بدعم توجه الدولة نحو تحويل مصر إلى مركز إقليمي لصناعة التأمين في إفريقيا، من خلال تعزيز التكامل القاري، وجذب الاستثمارات طويلة الأجل، وتبني سياسات قائمة على الاستدامة بما يضمن مستقبلًا قويًا للقطاع ويُرسخ مكانة مصر عالميًا.