في قلب الصحراء الشرقية، وعلى بُعد نحو 45 كيلومترًا جنوب غرب مدينة سفاجا، تقع المدينة الأثرية “مونس كلوديانوس”، إحدى أهم الشواهد التاريخية التي تركها الرومان على أرض البحر الأحمر، والتي تحولت مع مرور الزمن إلى مقصد سياحي لعشاق رحلات السفاري الجبلية، ومهوى أفئدة المهتمين بعصور الحضارات القديمة، خاصة الرومانية منها.
تُعد المدينة واحدة من أبرز المواقع الأثرية في مصر، إذ كانت في الماضي مركزًا رئيسيًا لاستخراج “الحجر الملكي” الذي استخدمه الرومان في تشييد أعظم معابدهم حول العالم. هذا الحجر الفريد جعل من “مونس كلوديانوس” محورًا أساسيًا في حضارتهم، ومصدرًا للعمارة الضخمة التي ميّزت الإمبراطورية الرومانية.
ورغم هذه الأهمية التاريخية، فإن المدينة اليوم تندرج ضمن المواقع الأثرية المهملة. فقد كانت تضم مساكن صغيرة متلاصقة، وحمّامات عامة، وصوامع غلال لعمال أكبر محجر روماني لاستخراج الحجر الملكي، حيث لم تتجاوز مساحة كل منزل نحو 70 مترًا مربعًا. كما ضم الموقع منزلًا لمدير المحجر، وإسطبلات ضخمة تتسع لأكثر من 400 ثور كانت تُستخدم في جر الحجارة العملاقة، إلى جانب معبد لم يكتمل بناؤه حتى الآن.
وتقع المدينة على طريق الصعيد – البحر الأحمر، ما يجعلها وجهة مميزة لرحلات السفاري الجبلية، خاصة للسياح المقيمين في فنادق سفاجا وخليج سوما باي ومكادي.
ويؤكد المؤرخون أن “مونس كلوديانوس” كانت أهم محاجر الرومان لإنتاج الأعمدة الضخمة المصنوعة من الحجر الملكي، والتي جرى استخدامها في معابد كبرى بالإمبراطورية. وكانت هذه المنطقة تحت إشراف مباشر من الجيش الروماني، وتضم آلاف العمال المهرة الذين كانوا يتقاضون أجورًا مرتفعة تقديرًا لأهمية ما ينتجونه. وقد أُعيد اكتشاف الأعمدة الضخمة في المنطقة بعد نحو 190 عامًا من توقف استغلالها.
ويقول مصطفى فتيحي، منظم رحلات السفاري الجبلي، إن المدينة تعرّضت عبر السنوات الأخيرة للإهمال والنهب من قبل تجار الآثار، بعد أن كانت تزخر بالأعمدة الملكية وبقايا المساكن العمالية، مشيرًا إلى أن غياب الحماية الأمنية جعلها عرضة للسرقة.
وأضاف أن الأعمدة الرومانية الضخمة ما تزال شاهدة على عظمة تلك الفترة، إذ يبلغ طول العمود الواحد نحو 20 مترًا وقطره 2.5 مترًا، ويزن ما يقارب 200 طن. كما لا تزال بعض المبانـي القديمة قائمة حتى اليوم، إلى جانب أبراج المراقبة التي كانت مخصصة لحراسة الموقع.
وتكشف أنقاض المنازل الرومانية والكنائس المشيّدة من الجرانيت، فضلًا عن الآبار الدائرية المليئة بالمياه المعدنية، عن مدى براعة الرومان في هندسة البناء في بيئة صحراوية قاسية. أما الأعمدة الحجرية الضخمة التي تزين المكان، فما تزال رغم ثقلها وقِدمها تحكي قصة حضارة لم تمت، لكنها تنتظر من يُعيد إليها الحياة.