في كل عام يعود السادس من أكتوبر ليذكرنا بأن النصر لا يُصنع بالعتاد وحده بل بالعقل والإرادة والإيمان بالوطن. لقد كان عبور قواتنا المسلحة لقناة السويس عام 1973 لحظة استثنائية كسرت المستحيل وأعادت للأمة العربية ثقتها بنفسها وأثبتت أن مصر حين تقرر تنتصر.
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: ما هو العبور الذي تحتاجه مصر في 2025 وما بعدها؟
إن التحديات التي تواجهنا الآن ليست كالتحديات التي واجهها جيل أكتوبر. العدو تغيّر وأدوات الصراع اختلفت. لم يعد الخطر دبابة أو طائرة، بل أصبح في أحيان كثيرة فكرة مشوشة على وسائل التواصل أو شائعة تسعى للنيل من استقرار المجتمع أو محاولة لاختراق الهوية الوطنية أو حتى اقتصاد هش يُستغل للضغط والابتزاز.
المعركة الجديدة هي معركة الوعي، معركة بناء الإنسان المصري القادر على التمييز بين الحقيقة والزيف، بين ما يخدم الوطن، وما يهدمه. وهي أيضًا معركة العبور نحو اقتصاد منتج ومعركة تعزيز الوحدة الوطنية والمواطنة الحقيقية ومعركة الاستثمار في العلم والتكنولوجيا لمواجهة تحديات المستقبل.
لقد كان عبور أكتوبر عبورًا من الهزيمة إلى النصر، أما عبورنا اليوم فهو عبور من الاستهلاك إلى الإنتاج، من التبعية إلى الاستقلال ومن التشكيك إلى الثقة. وإذا كانت الأجيال السابقة قد رفعت رايات النصر على الضفة الشرقية للقناة، فإن جيلنا مطالب بأن يرفع راياته على ضفاف الوعي والتنمية والاستقرار.
إن ذكرى السادس من أكتوبر ليست مجرد احتفال ببطولة ماضية وإنما استدعاء متجدد لروح قادرة أن تُلهم كل جيل عبوره الخاص. فالنصر ليس حدثًا مضى بل مسيرة متجددة، والعبور ليس معركة واحدة بل حالة دائمة من الإصرار على أن تبقى مصر قوية، قادرة وآمنة.