بقلم د. محمد عبد الحميد الزهار
امين الامانة المركزية للعلاقات الخارجية بحزب حماه الوطن
ومقرر مساعد لجنة المواطنة ببيت العائلة المصرية
لم يكن إعلان حركة “حماس” موافقتها المبدئية على تسليم جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء، إضافة إلى جثث القتلى مجرد خبر عابر في زحمة التصعيد المتواصل بالمنطقة. بل هو تحول استراتيجي يعكس طبيعة المأزق الذي وصلت إليه الحركة، ويكشف في الوقت ذاته عن معادلات جديدة فرضتها واشنطن على مسرح الأحداث عبر خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
أولاً: دلالات الموقف
1.اعتراف ضمني بالضغط الدولي: القبول المبدئي يكشف أن حماس لم تعد قادرة على تجاهل الضغوط المتزايدة، خصوصاً الأميركية التي ربطت التهدئة الإنسانية بملف الأسرى.
2.مناورة سياسية: طرح “التسليم” بصيغة عامة يتيح للحركة مساحة للمساومة لاحقاً حول الشروط سواء مقابل إطلاق أسرى فلسطينيين أو ضمانات سياسية وإنسانية.
3.رسالة للعالم العربي: عبر هذا الإعلان تحاول حماس أن تبرهن أنها ليست حجر عثرة أمام أي تسوية وأنها تتحرك بمرونة على عكس ما يروّج له الجانب الإسرائيلي.
ثانياً: انعكاسات القرار
•على الداخل الفلسطيني: هناك مخاوف من أن يُنظر إلى الخطوة كتنازل مجاني إذا لم يقابلها مكاسب واضحة ما قد يضعف موقف الحركة أمام الشارع.
•على إسرائيل: سيعتبر نتنياهو هذا الإعلان انتصاراً معنوياً يمكن توظيفه داخلياً لكنه سيبقى متشككاً حتى يرى التنفيذ العملي.
•على الإقليم: مصر وقطر وتركيا ستلعب أدواراً أساسية كوسطاء في صياغة التفاصيل فيما تراهن واشنطن على أن نجاح الصفقة سيُعيد لها زمام المبادرة بالمنطقة.
ثالثاً: السيناريوهات المحتملة
1.تسوية جزئية سريعة: تشمل إطلاق النساء والمرضى من الرهائن مقابل هدنة إنسانية موسعة.
2.صفقة شاملة: قد تضم جميع الأسرى مقابل إطلاق مئات الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية وهو ما سيعيد للأذهان صفقة شاليط ولكن بشروط أميركية صارمة.
3.تعثر المفاوضات: إذا اصطدمت الأطراف بخلافات حول الضمانات أو التوقيت فقد يتحول الإعلان إلى ورقة ضغط سياسية أكثر منه التزام عملي.
رؤية ختامية
ما جرى ليس نهاية الطريق بل بداية جولة تفاوضية أكثر تعقيداً. قبول حماس المبدئي يعكس إدراكها أن موازين القوى لم تعد في صالحها لكنه في الوقت ذاته يفتح الباب أمام اختبار حقيقي لمدى جدية المجتمع الدولي في ربط الأمن بالعدالة والضغط على إسرائيل للقبول بمبدأ المقايضة السياسية لا الاستسلام أحادي الاتجاه