في كل حجر من آثار مصر قصة، وعلى جدران المعابد والمقابر والقصور والمساجد كُتبت فصول لا تُمحى من تاريخ الإنسانية. وبين معابد الجنوب الشاهقة، والقصور الخديوية في القاهرة، والمتاحف التي تضم كنوز العصور، تتجلى ملامح هوية ضاربة الجذور. ومن خلال سلسلة اعرف تراثك نأخذكم في جولة لاكتشاف أهم المواقع الأثرية التي صنعت وجدان الوطن، ومنها معبد فيله بأسوان.
آثار فيله
تضم جزيرة فيله مجموعة من المباني الأثرية التي تعود للعصر البطلمي (332 – 30 ق.م.)، وأبرزها المعبد الذي شيده بطلميوس الثاني فيلادلفوس (285 – 246 ق.م.) والمكرس للإلهة إيزيس، أم الإله حورس، رمز الملكية في مصر القديمة. ومن أبرز النقوش الباقية مشهد داخل الماميزي أو حجرة الولادة، حيث تظهر إيزيس وهي ترضع حورس وسط الأحراش، في إشارة للاحتفالات الدينية المرتبطة بالخصوبة والولادة.
معبد إيزيس
يُعد معبد إيزيس من أكثر معابد مصر القديمة التي استمرت في أداء وظيفتها الدينية حتى العصور المتأخرة. فقد ظل مستخدمًا حتى عهد الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول (527 – 565م)، الذي أمر بإغلاق المعابد الوثنية، ليسجل بذلك نهاية حقبة طويلة من العبادة المصرية القديمة.
في القرن الرابع الميلادي (394م) نقش كاهن يُدعى اسمت-اخوم آخر نص هيروغليفي على جدران المعبد، قبل أن يُحوَّل إلى كنيسة، مما أدى إلى طمس كثير من نقوشه الأصلية.
معابد ومباني أخرى
بجانب معبد إيزيس يقع معبد صغير مكرس للإلهة حتحور بناه بطلميوس السادس فيلوماتور (180 – 145 ق.م.) وأكمله الإمبراطور الروماني أغسطس (30 ق.م – 14م). كما لا تزال مقصورة تراجان (98 – 117م) قائمة حتى اليوم، على الرغم من فقدان سقفها، حيث أبهرت أعمدتها المزخرفة الرحالة الأوائل الذين وصفوها في كتاباتهم ورسوماتهم.
وقد عُدت إيزيس المعبودة الرئيسية للمنطقة، حيث يظهر في النقوش تقديم الأباطرة القرابين لها ولزوجها أوزير وابنهما حورس.
إنقاذ آثار فيله
مع بناء السد العالي بأسوان وارتفاع منسوب المياه، تعرّضت جزيرة فيله الأصلية للغرق، لكن حملة اليونسكو لإنقاذ آثار النوبة في ستينيات القرن العشرين نجحت في تفكيك معابدها ونقلها بالكامل إلى جزيرة أجيلكيا القريبة، لتبقى شاهدة على عظمة الحضارة المصرية القديمة وإبداعها المعماري والفني.