الإسكندر الأكبر اشتهر بفتوحاته العسكرية التي امتدت من مقدونيا حتى الهند، لكنه لم يتوجه يومًا إلى غزو روما، الأمر الذي يثير تساؤلات عديدة، وتذهب الدراسات إلى أن تجاهله لروما كان نتيجة عوامل متعددة، أبرزها أن روما آنذاك لم تكن قوة عظمى، بل مجرد كيان محلي صغير ما زال يحاول تثبيت سيطرته داخل شبه الجزيرة الإيطالية، بينما كان تركيز الإسكندر ينصب على الإمبراطورية الفارسية بوصفها التحدي الأكبر للعالم اليوناني.
المعرفة بالغرب كانت محدودة لدى اليونانيين في ذلك العصر، فقد تمحور اهتمامهم حول بحر إيجه وشرق المتوسط والشرق الأدنى ومصر، أما روما فكانت بعيدة عن دوائر النفوذ الجغرافي والسياسي، ولم يَرَ المؤرخون اليونانيون أهمية كبيرة لتوثيقها أو التعامل معها بشكل موسع.
والده فيليب الثاني كان صاحب الرؤية الأولى، فقد نجح في تحويل مقدونيا إلى قوة مهيمنة، ووحّد مدن اليونان تحت قيادته، وأسس “الرابطة الكورنثية” بهدف شن حرب على فارس انتقامًا من غزوها السابق لليونان، وعندما اغتيل عام 336 ق.م ورث الإسكندر العرش ومشروع والده، وأدرك أن شرعيته السياسية مرتبطة بتحقيق هذا الهدف.
بالفعل بدأ الإسكندر حملاته ضد فارس، فهزم داريوس الثالث وسيطر على قلب الإمبراطورية، ثم اتجه إلى آسيا الوسطى وصولًا إلى الهند، وبلغت طموحاته ذروتها في معركة هيداسبيس عام 326 ق.م ضد الملك بوروس، إلا أن هذه الحملات الطويلة أنهكت جيشه واستنزفت موارده.
إدارة الإمبراطورية الشاسعة لم تكن أقل صعوبة من الفتوحات، فقد واجه مقاومة عنيدة في الأقاليم، واضطر لدمج الفرس في الحكم واعتماد بعض تقاليدهم، وهو ما أثار غضب قادته المقدونيين، كما حاول دمج الثقافتين اليونانية والفارسية عبر الزواج المختلط ونشر الثقافة الهيلينية، وهي سياسات أثمرت لاحقًا عن ممالك يونانية شرقية أثرت في الفن والثقافة، لكنها خلقت أيضًا توترات داخلية.
في النهاية حال موت الإسكندر المبكر في بابل عام 323 ق.م، عن عمر لم يتجاوز 32 عامًا، دون تنفيذ أي خطط لغزو الغرب، وبقيت روما بعيدة عن اهتماماته، لتظهر قوتها لاحقًا وتصبح الإمبراطورية المنافسة الكبرى التي ورثت الكثير من إرثه.