فى قلب كل حجر من آثار مصر قصة خالدة، وعلى جدران المعابد والمقابر والقصور والمساجد نقوش تحكي فصولًا من تاريخ ممتد. ومن بين هذه الكنوز يبرز مقياس النيل بجزيرة الروضة، كواحد من أقدم الشواهد الأثرية التي تربط المصريين بالنهر العظيم، شريان الحياة ومصدر الحضارة.
أقدم مقياس للنيل في مصر
يُعد مقياس النيل أقدم منشأة معمارية بنيت لقياس مستوى الفيضان، إذ يعود تاريخه إلى أكثر من خمسة آلاف عام. شُيّد عام 861م (247هـ) بأمر من الخليفة العباسي المتوكل على الله، ليكون أول مبنى يُقام بعد الفتح العربي عام 640م (20هـ).
اعتمد تصميمه على عمود رأسي ثُماني الأضلاع، يرتكز في بئر مبطنة بالحجر، ليعكس ببساطته عبقرية المصريين في فهم دورة النهر.
الغرض من إنشائه
لم يكن المقياس مجرد بناء حجري، بل أداة حياة؛ فقد استخدم لتحديد مستويات الفيضان السنوي، مما ساعد على التخطيط لإقامة السدود وشق القنوات وتنظيم عمليات الزراعة.
كما ارتبط بشكل مباشر بالنظام الاقتصادي، إذ كان ارتفاع منسوب النيل أساسًا في تقدير المحاصيل وتحديد الضرائب، وهو ما جعل المقياس أداة إدارية لا غنى عنها.
رؤية القدماء للمستقبل
يروي الخبراء أن المصريين القدماء امتلكوا قدرة مذهلة على التنبؤ بالفيضانات، فشيّدوا مثل هذه المقاييس منذ القرن الثالث قبل الميلاد، لتُستخدم على مدار ألف عام في توقع الحصاد وتنظيم الحياة الزراعية. وكان آخر منسوب قديم عُثر عليه في دلتا النيل شاهدًا على هذه المعرفة المبكرة.
وصف مقياس النيل
يبلغ ارتفاع مقياس النيل 19 ذراعًا، ويجمع في تصميمه بين الجمال والوظيفة. فقمته مستطيلة وقاعدته مستديرة، فيما نُقشت على جدرانه آيات قرآنية تتحدث عن الماء والنبات والرخاء، إلى جانب علامات قياس دقيقة لتحديد مستويات الفيضان.
ويحيط بالبئر سلم حلزوني يصل إلى القاع، كان يستخدمه المراقبون لقراءة المنسوب. ومنذ العصور الوسطى وحتى نهاية القرن التاسع عشر، كان السلاطين يحتفلون بقدوم الفيضان عند المقياس في طقوس تستمر سبعة أيام، بحضور كبار رجال الدولة.