برزت تركيا كلاعب طموح يسعى إلى إعادة رسم خارطة نفوذه في إفريقيا، إذ لم يعد حضورها مجرد زيارات دبلوماسية أو اتفاقيات تجارية، بل تحوّل إلى استراتيجية شاملة تشمل التعاون العسكري، الاستثمار الاقتصادي، التأثير الثقافي، والمساعدات الإنسانية والتعليمية، مستفيدة من رغبة العديد من الدول الإفريقية في تنويع شركائها بعيدًا عن الهيمنة الغربية التقليدية.
محاور النفوذ التركي في إفريقيا
يشير السفير دكتور صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الإفريقية ومساعد وزير الخارجية السابق، إلى أن النفوذ التركي يرتكز على أربعة محاور رئيسية: الأمني والعسكري، السياسي، الاقتصادي، والاجتماعي.
وأوضح حليمة لـ القاهرة 24 أن تركيا تبني علاقات متوازنة مع مختلف القوى الإقليمية والدولية في إفريقيا، مع تجنب الصدام المباشر مع منافسيها مثل إسرائيل وروسيا، مع لعب دور دبلوماسي في ملفات حساسة، مثل تهدئة النزاع حول منفذ إثيوبيا البحري عبر إقليم أرض الصومال.
التوسع الدبلوماسي والاقتصادي
من 12 سفارة في عام 2002، ارتفع عدد السفارات التركية في إفريقيا إلى 44 سفارة بحلول 2024، ما ساهم في تعزيز وجود أنقرة ومضاعفة حجم التجارة بين تركيا والدول الإفريقية من 5.4 مليار دولار عام 2003 إلى نحو 40 مليار دولار عام 2022.
ويستفيد النفوذ التركي من القوة الناعمة، عبر مؤسسات مثل Tika للتنمية والتعاون الدولي، ومركز يونس إمره لتعزيز الثقافة والدين، ومؤسسة معارف للتعليم، حيث تمتلك الأخيرة 189 مدرسة في 27 دولة إفريقية. هذا التواجد يُسهّل دخول الاستثمارات والصفقات الاقتصادية بعد بناء قبول اجتماعي وثقافي.
القوة العسكرية والتدخل الأمني
تستخدم تركيا القوة الصلبة أيضًا، من خلال تزويد الدول الإفريقية بالمعدات العسكرية والطائرات بدون طيار، مثل Bayraktar TB2 وAnka وKarayel وAksungur. وامتد التواجد العسكري التركي إلى مناطق استراتيجية، أبرزها الصومال، غرب ليبيا، النيجر، إثيوبيا، توغو وتشاد، مع وجود غير رسمي عبر شركة سادات الأمنية الخاصة التي تعمل على نشر مرتزقة وتقديم التدريب العسكري، ما يعزز قدرة تركيا على النفوذ العسكري والأمني في القارة.
أهداف استراتيجية
وفقًا للخبراء، يستند النفوذ التركي إلى طموحات وطنية وأحلام إمبراطورية عثمانية، مع استغلال حالة الضعف والهشاشة في بعض الدول الإفريقية، مثل ليبيا والصومال، لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية.
ويشير اللواء محمد زكي، الخبير العسكري، إلى أن تركيا تهدف إلى استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية في إفريقيا من خلال التواجد الأمني والعسكري، كما تؤكد تركيا على ضرورة تأمين موارد القارة لدعم احتياجاتها الصناعية والاقتصادية، مع التركيز على مناطق استراتيجية مثل باب المندب لتعزيز النفوذ العسكري والسياسي.
القوة الناعمة والصلبة معًا
تجمع السياسة التركية بين القوة الناعمة والصلبة، فبينما تُعزز الثقافة والتعليم والتعاون الاجتماعي والاقتصادي، تستخدم القوة العسكرية والتجهيزات الدفاعية لتحقيق التوازن السياسي والأمني، ما يفتح أبوابًا لعقود إضافية في مجالات الذخائر، مراقبة الحدود، والتعاون الاقتصادي.