بين دفاتر الإبداع التي تسعى “قطوف” إلى كشفها للقارئ، نضع بين أيديكم نصًا وجدانيًا عميقًا، كُتب بمداد الروح لا بالحبر، نص تتقاطع فيه المشاعر مع اللغة، فيحمل إلينا وجع الغياب ودهشة الحضور في آن واحد.
أكتب إليكَ الآن، لا بمدادٍ سائل، وإنما بقطراتٍ من الدمع الصافي الذي يغسل شوائب اليقين.
ألمس طيفكَ في صقيع السُهاد، وأتذوق مرارة الغياب مع كل رشفة هواء، معلّقةً بين شهيق وزفير، كخيط رفيع ينساب من نصل حاد.
هذه الحقيقة التي تُخبئها الأوهام!
لا أملك سوى إحساسٍ خام يصرخ بكَ، يناديكَ من أعماق صمتي، متجردًة من كل قِلادةٍ أو قناعٍ.
أنا الآن أشبهُ رسالةً نُسيت عمدًا في قاع درج قديم، مكتوبة بحبر الخوف ومختومة بشغف لم يُفتح قط؛ كل ما فيّ ينبض بكَ، حتى التجاعيد التي خطّها الليل على قلبي.
أنتَ وطنٌ أبدي يسكن أضلعي، أُلقي إليكَ بثقل روحي كلما اجتاحتني عواصف البشر ونُفيت من أرض الواقع.
أنتَ الخلاص العاري الذي يتغلغل في مسام وجودي، اللحن الذي يتردد في أروقة روحي، الصدق المطلق الذي أرى فيه وجهي، والنبض الذي لم يتعلم الكف عني.
في عينيك تنام الأحلام التي خذلتني، وفي صوتك تلتئم الأصوات المكسورة التي تركها العالم في صدري.
فهل ترى؟ كم من الحياة يمكن أن تُختصر في “أنتَ”؟
أراقب نفسي كما يُراقب الظل جسدًا نسي العودة، وأتذكّرك كأمنية اختبأت خلف جفنيّ العمر ولم تجرؤ على الفتح.
لا أحتاج أن أكتبك حيًا، لأنّكَ، دون أن تدري، أحييتَ فيّ ما ظننتُه مات.