حين أعلن اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون عام 1922م، اتجهت أنظار العالم إلى وادي الملوك، حيث كان هوارد كارتر يزيح الغبار عن أعظم كنز أثري في التاريخ، بعد أن دلّه الطفل حسين عبد الرسول على مكان المقبرة، لكن خلف الكواليس، كان هناك رجل آخر له دور لا يقل أهمية، الكيميائي وعالم الآثار الإنجليزي ألفريد لوكاس، الذي وُلد في مثل هذا اليوم، 27 أغسطس 1867، وارتبط اسمه بشكل وثيق بمقبرة الملك الذهبي.
مهمة لوكاس.. بين الغبار والذهب
قضى لوكاس تسعة مواسم متتالية في حفظ وترميم محتويات المقبرة الدقيقة، ووصف تلك التجربة بأنها “رحلة بين الغبار والذهب”. لم يكن عمله مجرد وظيفة، بل مهمة أشبه بـ عملية جراحية دقيقة، إذ كانت أغلب القطع في حالة هشاشة بالغة، تتطلب تنظيفًا وترميمًا قبل تصويرها أو تسجيلها أو نقلها إلى القاهرة.
في مقال نشرته صحيفة التايمز عام 1923، كشف لوكاس عن التحديات التي واجهها: “كثير من القطع كانت تحتاج إلى تنظيف وإصلاح قبل أن تُسجل أو تُنقل، أي خطأ مهما كان صغيرًا كان كفيلاً بتدميرها للأبد. كانت أول خطوة إزالة الغبار باستخدام منفاخ صغير أو فرشاة دقيقة بشعيرات ناعمة، لأن منفضة الغبار العادية قد تتلف جزيئات الذهب وتلحق أضرارًا لا يمكن إصلاحها”.
وأضاف: “كان علينا تحليل طبيعة كل مادة على حدة، والتفكير في أفضل طريقة لتثبيت الذهب السائب أو الأقمشة المتحللة، فالمواد التي استخدمها المصريون القدماء في مناخ صعيد مصر الجاف لا تصلح بالضرورة في بيئة المتاحف الرطبة”.
بداية رحلة لوكاس في مصر
بدأت رحلة ألفريد لوكاس في مصر بعيدًا عن المقابر، إذ جاء للعمل ككيميائي في القطاع المدني بالحكومة المصرية، متنقلًا بين معامل المساحة الجيولوجية والتحليل الحكومية. لكن القدر قاده إلى مصلحة الآثار المصرية، وهناك وجد نفسه أمام تحدٍ استثنائي يتمثل في إنقاذ تراث ملكي ضخم.
ظل لوكاس في خدمة الآثار المصرية حتى وفاته عام 1945، تاركًا وراءه سيرة علمية حافلة، واسمه منقوشًا في ذاكرة التاريخ كأحد أعظم خبراء ترميم وحفظ الآثار.